مفتاح العمّاري
كلام في شجر الكلام
" الأطفال
سحبوا ..
طائراتهم الورقية
تركوا ..
السماء شاحبة
لهدير ..
بلا معنى ." (1)
في هذا القول يتجلّى الإيمان بجدوى الشعر
الذي هو حسب تعبير الشاعر الليبي : عبد السلام العجيلي : سفرٌ رمادي يترصّد الحروف ويخفي شجر الغيم .
وفي هذا القول أيضاً ، الذي اقتطفناه من شجر الكلام ، الديوان الشعري الأول للشاعر
، إضافة حقيقية لها نكهتها الخاصة بها ، تُكسب تجربة قصيدة النثر في ليبيا
طموحاً متزايداً لارتياد مناطق جديدة، أكثر معرفة وتماسكاً ، ولا سيما أن القصيدة
هنا لا تُخفي انحيازها الجميل إلى مكابدة الكلام ، كأنها تستمرئ تلخيص الألم الإنساني
في احتفال جنائزي يعيد إنتاج أساه الشفيف بعبارات مكثّفة .
احتفال بروح الشعر وكيان الشاعر مندغماً بذلك الكائن الخفي والمدهش :
(الخيال ) كوهم ممكن التحّقق ، يلتبس دائماً بسموّه ، حيث لابدّ لنا كقراء أن نؤخذ
بهذا العلّو الساحر ، مستسلمين لِلَذاذة سلطته ، ومؤمنين في الوقت ذاته بضرورته في
لحظتنا الراهنة .. ولحظتنا المحلوم بها .. لنسافر عبر تجلياته الصوفية التي هي فعل
صلاة .. من أجل تطهير ذواتنا من تشوّهات عالمها ، بكل ما فيه من فجائع وهزائم
وخيبات .. كذلك من أجل الانتصار على مشيئة الأذى ، مقتفين إشارات القصيدة وما تفضي
إليه من تهيؤات محتملة تحلّق دائماً صوب فضاءات أخرى أكثر طمأنينة وجمالاً : دائماً الحلم دليلنا ، هذا ما تشي به قصيدة
الشاعر عبد السلام العجيلي ، أو هذا ما تبدّى
في " شجر الكلام " هذه المجموعة الشعرية ، التي تصعّد سحر الكلمة
برافد نقدي له حسّه اللمّاح في معرفة عالمه .. مهتدياً بحدس القصيدة وحدها ،
ليمتعنا .. ويوقظ فينا روح الشعر ، لأنه فعلاً قد امتلك مفاتيح خزانة الروح واكتشف
السّر .. محققا باقتدار مكين إضافة جديدة
لنثر القصيدة ، ومن ثم إضافة للحياة .
____
كتبت هذه الكلمة احتفاء بإصدار
المجموعة الشعرية ( شجر الكلام ) 2001 .
(1)مقطع من شجر الكلام .