وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الأحد، 1 أكتوبر 2017

شخصية ثقافية







مجلة نصوص من خارج اللغة 

تحتفي بمفتاح العمّاري 



شخصية ثقافية


                                                                                                                                            






أمينة الصنهاجي 

” الشعر ما خالف معتاد الكلام “
فكيف للشخص أن يتحدث عن نفسه و عالمه و سيرورته بلغة من معه و يكون شاعر ا في نفس الوقت ؟ 
الأمر أشبه بالساحر حين يضع أمامه قبعة يعرفها الجميع و يضع عليها منديلا يمكن للجميع حيازته ..و يخرج من تحته و من داخل القبعة أرنبا أو حمامة سبق للجميع أن عرفوا و شاهدوا مثلها . و مع ذلك الكل _ حين يفعل _ يندهش ..
هكذا تشعر حين تقرأ لمفتاح العماري .إنه شاعر يكتب نفسه .. و يؤرخ لحالته الشعورية في سيرورة حياتية عاشها الكثيرون ، و بلغة عادية و يومية ، لكن في نهاية كل نص تحس أنك كنت تحت تأثير سحر مدهش لم تنتظر أن يفعل بك ذلك .

مفتاح العماري من طينة أولئك الذين تأبطوا الشعر ، بعد أن ضاقت به جوانحهم فخرج عبر لغتهم شجيا مطبوعا بدواخل النفس  و متحررا من التصنع .
إنه شاعر بقوة الوجود .
  لست أدري كم يلزمك لكي تكتب نفسك خارج الحجر ..صورتك خارج البياض لوحة حمراء .إنه يحدث نفسه هنا / و كثيرا ما يفعل . و كل ما لزمه لكتابة نفسه خارج صلادة المدينة و جمودها حنينا طاغيا للحياة الأولى ، الفطرية ..تلك التي لم تلوثها المدنية . هناك حيث كان طفلا يندهش .
مفتاح يتوق دوما لذاك الطين الأول الذي شكل الخلق الأول . قبل أن تدنسه العبارة .، و قبل أن يشرد في زي العسكر و عزلة الثكنة و ضيق الأحلام المسيجة بجدران الحياة اليومية .و بقي يتوق لذاك الطين الأول و هو محاصر بما يسمى ” مدينة ” بعماراتها و شققها و مسخها العادم لحيوية الأرض و الفضاء .
و ازداد التوق عمقا حين أورثه لصغيره الذي يريد ” التراب” الذي لم يعد يجده ..
إنه شاعر السرد اليومي الذي يؤرشف النفس و يرسمها بكل تلقائية و عمق في نفس الآن ..و هذا ما جعل معتاد الكلام و الحال يتحول شعرا مع مفتاح العماري .
___________
مقتطفات من سيرة العماري
من أهم شعراء ليبيا ونقادها، ومن مجددي  قصيدة النثر، مضيفًا اليها ثيمة التغلغل في التجارب الشخصية.
العماري بدأ مسيرته الإبداعية  منتصف السبعينات و شملت: الشعر والقصة والرواية والمقالة، أيضًا النقد والمسرح والدراما التلفزيونية وأخيرًا أدب الطفل.
عضو رابطة الأدباء والكتاب الليبيين،
نشر في الكثير من الصحف المحلية والدولية، وشارك في العديد من الأمسيات والمهرجانات العربية والعالمية.
ولد العماري في  يوليو 1956 بمدينة بنغازي التي شهدت طفولته المغادرة لحجرات الدراسة مبكرًا إلى حجرات التجنيد والتأنيب في الجيش الليبي، ومنه إلى حرب «تشاد» مع ليبيا، لتلهم الشاعر تلك الثيمات المتمثلة في «الجندي والذئبة» وغيرها من مشاهد الحروب المؤلمة.
ثم انتقل الشاعر للعيش بالعاصمة طرابلس بعدما تجاوز عامه العشرين وبقي مستقرًا بها حتى الآن.
غاب العماري عن المناشط والمهرجانات في السبع السنين الأخيرة بسبب ظروفه الصحية، لكنه استمر في إثراء المشهد الثقافي والشعري بكتاباته وإصداراته التي لم تنقطع.
وفي العام 2012 حظي العماري بتكريم من المهرجان العالمي للشعر بالعاصمة الليبية طرابلس ومنحه جائزة «أركنو» التي ترعاها مجلة فصلية تحمل الاسم ذاته والصادرة عن هيئة دعم وتشجيع الصحافة في ليبيا.
من إصدارات الشاعر:
-قيامة الرمل/ شعر
-كتاب المقامات/ شعر
-رجل بأسره يمشي وحيدًا/ شعر
-فعل القراءة والتأويل/ نقد أدبي
-منازل الريح والشوارد والأوتاد/ شعر
-السور/ مسرحية
-ديك الجن الطرابلسي/ شعر
-رحلة الشنفري/ شعر
-جنازة باذخة/ شعر
-مشية الآسر/ شعر
-عتبة لنثر العالم/ نقد أدبي
-مفاتيح الكنز/ سرد
-السلطانة/ شعر
-نثر الغائب/ سيرة شعرية
-برج العقرب/ مسرحية
-نثر المستيقظ/ نصوص
-فسيفسائي/ شعر
-فن العزلة .. نهاية العالم/ مقالات في الأدب والحياة
-حياة الظل/ شعر
-السلطانة/شعر
-ثكنات/شعر
_____________________      حوار مع الشاعر العماري

* ما هو الشعر ، وما هي حدوده عند مفتاح العماري؟
    لأمر ما، لم أعد شغوفا بتعريف الشعر، ولاسيما عبر الاتكاء التقليدي على ذلك التضافر التاريخي بين معاجم اللغة وعلم الموسيقى؛ كما لا يروق لي أن يكون الشعر مجرد بيت وعظٍ  وحكمة.
في يومٍ ما كنت أدّعي صنفا من الإحاطة بمعرفة الشعر، وأسرار لغته، وأنه في مكنتي التحدث بطلاقة في ماهيته دونما تعثر. ولعلني حينها، افتتنت بتلك الفتوحات الموهومة، وتكلمتُ كثيرًا مع نفسي وآخرين، ثم كتبت، ونشرت بعض المقالات؛ حلقتُ من خلالها، وشطحتُ كثيرًا، كما لو كنت صاحب مفاهيم شتى؛ لا تخلو من نظريات مذهلة ومصطلحات جديدة، لا عهد للشعر بها.
لعلني وقتها اقتنصتُ بذكاء عبارة رصينة من كتاب:أسرار البلاغة ل” عبد القاهر الجرجاني”، ولعلني أيضا طويتها بعناية داخل توليفة لا تعوزها نباهة المفكر الدربة، ضمن مقولة أخرى لا تقل عنها فتنة وإبهارا، استعرتها من كتاب: الكلمات والأشياء ل”ميشيل فوكو”،تتعلق بفكرة: نثر العالم، محاولا بذلك إيجاد مسوّغ أكثر شرعة لقصيدة النثر.
الآن، أعترف أن الشعر لا يحتمل مثل هذه الترهات، وعلينا أن ننتظر ريثما تختمر التجارب وتتربّى على مهمل، لتشي قصيدتنا بنفسها، وتكتب أسماءها.
 * ما هي أهم المحطات الحياتية التي أثرت في تشكيل تجربتك الابداعية ورسمت ملامحها…التجربة الشعرية على وجه الخصوص؟
في مدينة البيضاء بالجبل الأخضر حيث يتفوق جمال الطبيعة على قبح الواقع، كنت أكابد بضراوة للتغلب على الكثير من الأخطاء الناتجة عن فقدان مبكر لأب لم ينتبه لعثرات الحياة، ليغادرنا من دون أن يكون لنا بيت ومعاش، مما يتطلب عملا مضاعفا يكفي لسد رمق خمسة أفواه، إضافة إلى سداد إيجار البيت. كان لا مناص من التخلي عن الدراسة بعد أن نلتُ وبمشقة الشهادة الابتدائية، بتقدير مقبول. كانت  في ذلك الوقت أكثر من كافية للتطوع كجندي في الجيش الليبي.
في الثكنة لست أدري كيف حدثت معي لعبة الشعر. فأن تفقد أباك في وقت مبكر ، ثم تضيّع أمّك، وتغادر طفولتك قبل الأوان؛ يبدو أن الركح كان مهيئا لدخول القصيدة.وهذا ما حدث. لكن عليّ الاعتراف أولا بفضيلة القراءة، كدروس أولى تعيّن عليّ خوضها سعيًا لمحو الجزء الشائن من أميّتي، ولتأسيس صحبة آمنة مع أصدقاء من سلالة نظيفة، عوضا عن قطيع الثكنات. كنت، ولا زلت أحيانًا أعاني من عسر هضم المقروء؛ غير أن الشغف بالكتب ما انفك ينمو يوما بعد يوم.
في منتصف عشرية السبعينات من القرن الماضي، تعلقت أولا بأشعار(أبو القاسم الشابي)،الذي كان له في حينها تأثيره الخاص على وجداني، حتى أنني نسجت على طريقته بعض القصائد الغنائية التي وسمت جزءا من مرحلة البدايات. بعد ذلك كان العالم الذي سبره “محمد الماغوط” أكثر دهشة وإمتاعا،إلى الحد الذي اقترحته في خريف 1980 رفيقا استثنائيا، لنعبر معا الصحراء الكبرى باتجاه جبهات القتال في أقصى الجنوب التشادي. بفضل الماغوط نجوت من الهلاك، وعدت بعد ثمانية أشهر إلى ليبيا سالماً، وقد غنمت بضع قصائد لها نكهة “الفرح ليس مهنتي”؛ حاولتُ من خلالها توثيق مكابدة الجندي الذي كنته.
لم أتوقف عن عادات القراءة،واستضافة المزيد من السدنة الأوفياء إلى ثكنتي العسكرية، باحتراز شديد لا يخلو من السرية والتكتم. بداية من سنة 1976 نشرت بعض قصائدي في صحف ومجلات وطنية وعربية، حسب السوانح القليلة التي تنتجها الصدف.
مع منتصف العقد التالي أي الثمانينات، ولاسيما بعد انتقالي إلى العاصمة طرابلس، سنحت لي فرص المشاركة في إحياء أمسيات شعرية جماعية، وأحيانا فردية، ضمن مهرجانات ومحافل وطنية وخارجية. وبفضل القصيدة، سافرت إلى المغرب وتونس والعراق واليمن وسورية والجزائر وفرنسا ومصر والأردن. وعلى الرغم من مباهج السفر، إلا أن تجربتي مع مهرجانات الشعر العربي كانت جد مخيبة،لاعتبارات كثيرة من بينها غياب أية معايير تحتكم للاحتفاء بالشعر الأصيل، فضلا عن أن بعض المؤسسات العربية كانت توظف مثل هذه المحافل لاعتبارات الدعاية السياسية، ناهيك عن هيمنة العلاقات الشخصية التي كان لها تأثيرها في تكريس الرداءة، والبروبقاندا. وبسبب استيائي من هكذا مثالب لا تليق بكرامة الشعر، كنت خلال العقدين الماضيين اعتذر عن تلبية أغلب الدعوات التي تردني قصد المشاركة في مهرجانات عربية ودولية.
في سنة 1982 دفعت بمخطوط مجموعتي  الشعرية الأولى، إلى مؤسسة النشر الوحيدة التابعة لسلطات الدولة الليبية، وانتظرت عشر سنوات ريثما يكتب لها أن تظهر أخيرًا بهيأة كتاب هزيل. مجموعتي الشعرية الثانية”قيامة الرمل” كانت أكثر حظا، فقط: استغرق انتظار طباعتها قرابة ست سنوات.
آخر مجموعة شعرية صدرت لي كانت قبل خمس سنوات ، وهي العاشرة، ولأسباب ستظل مجهولة وغامضة يصعب العثور على أي من كتبي في السوق الليبية، ليس لأهميتها ، بل يعود الأمر للخيبات العشواء، ومشيئة الفوضى، وربما لسوء الطالع الذي يتربص بدواويني، لتظل مدفونة في مخازن الدولة.
لم أهتم بمسألة الترويج لتجربتي؛ باستثناء أنني قبل عامين فتحت مدونة على “البلوجر” كمحاولة للتوثيق، وفي نفس الوقت للتخفيف من وطأة العزلة.
خلال هذه الرحلة الخائبة، حدث وأن تحصلت على جائزتين؛ الأولى: كانت في أواخر عهد نظام القذافي، فيما كنت وقتها خارج الوطن، نزيلا بالمستشفى الجامعي في برلين أخضع لإجراء جراحة استئصال الورم الذي مازلت أتعثر صحيا على خلفية مضاعفاته. الجائزة الثانية والأخيرة: كانت جائزة مجلة (أركنو) للشعر. سنة 2012 في دورة مهرجانها الأول والأخير للشعر العالمي. كتكريم خصني به مؤسسها الشاعر الكبير: عاشور الطويبي، الذي تعرض منزله للقصف واحترقت مكتبته أثناء حروب المليشيات صيف 2014، فلجأ هو وأسرته إلى النرويج.
أكثر ما يؤلمني الآن، أنني لم أعد قادرا على الخروج من البيت. الأمر لا يتعلق بالمرض وحده، ولا بمسألة عجزي عن مواصلة الكتابة،ولا لأن الشوارع لم تعد آمنة، أو بأي شيء يمت بصلة إلى شبهة التوحّد، كما لا توجد في سيرة عائلتي أية جينات وراثية للجنون والعزلة. فقط أشعر كما لو أن ألشعر وحده من قادني إلى هذا المصير الغامض،وأقام جدارًا بيني وبين الخارج. ليس فقط لأن العالم لا يريد الإصغاء للشعر،بل لأن الشعر هو الآخر لم يعد قادرا على تحمل المزيد من الازدراء والمهانة. كأن الشاعر يعاقب بطريقة أكثر عنفا وضراوة،لمجرد أنه كرس مخيلته لإضافة حياة أخرى.
ولأنني قد تورطت إلى الحد الذي لم يعد فيه أي مجال للتراجع، اخترت الانحياز للشعر في عزلته، أو تضامنت مع العزلة إكراما للشعر.
بعد  انتفاضة فبراير كحلقة من مسلسل الرعب في (ثورات الربيع العربي)، شهدنا مفارقات أكثر عنفا وانحطاطا وضراوة، مما كنا نعانيه أيام حكم القذافي، ولاسيما عندما تولى بعض المثقفين (الثوار) إدارة المؤسسات الإعلامية والثقافية. كانت خيبتنا أشد فجيعة وإيلاما. لأن من كنا نعتقد بنزاهتهم ونبلهم، تحولوا فجأة إلى طغاة ولصوص، شخصنوا المؤسسات، وقدموا الولاء على الخبرة والكفاية، وحابوا شللهم ومريديهم وخدمهم وما ملكت إيمانهم.كانت تلك بالنسبة لي كمثقف من بين أبشع الصور التي استهلّ بها الربيع الليبي إدارة المراحل الانتقالية، بشبه دولة فاشلة انقسمت على نفسها، وتشظت إلى هياكل تشريعية فاقدة لشرعيتها، وحكومات مرتهنة لتيارات إيديولوجية وتشيوعات مشبوهة، وأحزاب هشة، وتكتلات قبلية ومليشيات مسلحة، تحتكم إلى شريعة التغول والقمع والترويع، لم تعزها القدرة على التفنن في جعل البلد حطاما.
 * هل يوازن الشاعر عندما يقرر اخراج نصه للآخر المختلف في مستويات التلقي بين الحدود التي يقف عندها النص ؟
بدوري سأسأل من هو الآخر؟ أنا شخصيا ضمن خلفيات اللحظة الراهنة لم أعد أنشغل كثيرا بمسألة افتراض وجود لمن لا وجود له. وهو اعتراف محزن، ومخيّب طالما أن غياب الآخر كمتلقي، سيعيق حتما دورة نمو القصيدة. أشير هنا تحديدا إلى غياب يربك الكتابة ويعطّل خروج القصيدة إلى الشارع. لعل أعادة تدوير السؤال ستفضي إلى شيء ما، يصلح كمنبّه ينذرنا بخطورة الإفراط في تمجيد عزلة الشعر، والافتتان بمكاسب عزلة موهومة. وهي (أي العزلة) كصنف مضاد لسلطة الجماعة تحتاج حتمًا إلى تفكيك أكثر موضوعية، إذا أردنا أن يكون الشعر ضرورة، وليس محض نشاط سريّ، في غرف مغلقة.
يظل الخروج من الكهف من أواليات العودة بالشعر مرة أخرى إلى الشفاه. على الشعر أن يجد مخرجا لمأزقه، بداية من ردّ الاعتبار للموسيقى، كمحاولة لإنصاف نفسه. لعلني داخل هذه الدوائر أحاول دونما قصدية واضحة استدراج القصيدة، لا القارئ، لأن تكون صادقة وبسيطة إزاء نفسها.أظن أن الشعر معنيّ بإيجاد طريقة ما، تضعه على تماس مع حيوات تتجدد؛ وهذا الامتياز لا يتحقق إلا بحضور القراءة، لا غيابها؛ القارئ كشريك يقف ندًا للكاتب، شريك محفز، يتمتع هو الآخر باستحقاق إعادة الخلق. ومع ذلك لا أظن بأنني أثناء ممارسة الكتابة سأفكر في هذه المسألة؛ فقط عليها أن تحتفظ بموقعها، كمحض فرضية مستبطنة تعبّر عن طموح مُتوخى. 
* الشعر،الكتابة للمسرح، السرد ، والنقد الأدبي ، كيف اتسعت تجربتك الابداعية لتشمل كل هذا ؟
الكتابة تعلّم.وأنا كقارئ أولا، مدين بهذه الفضيلة لمناطق الجذب التي تحدثها معاشرة الكتب، ثم صالات العرض: المسرح والسينما والرسم. وهي من خلال تجربتي تعد محض وقفات تتسم بحالة تكريم لوقت مستقطع. صحيح كتبت في المسرح بضعة نصوص،أحدها كان شراكة، فضلا عن الكتابة الدرامية للتلفزيون والسينما، لكن بحكم وجودي في بيئة لا تتمتع  بحد أدنى  لحياة ثقافية ممكنة،لاسيما وأن كل المؤسسات الثقافية كانت تخضع لسلطة الدولة في عهد القذافي، فيما هي الآن تكاد تكون معطّلة، وغائبة تماما عن تفعيل دورها في خدمة الحياة الثقافية، وفي ظل الفوضى العارمة والحرب التي أنهكت البلاد، وإزاء هكذا واقع ثقافي معاق ، يفتقر لأية محفزات يمكنها تعزيز الذاكرة الوطنية عبر خدمة منتوجها الإبداعي، فأن أية مساهمات، ومهما اجتهدت في التفوق على نفسها وقبح واقعها، ستظل مجرد انشغالات مهملة، طالما أن الشروط الاجتماعية والسياسية التي تحيط بنا غير منصفة. ولعله من سؤ طالع هذه البلاد، أنها لم تشهد عبر تاريخها أية سياسات ثقافية تعنى  جديا بتنمية الجمال.
     في ليبيا لا تتوفر أية حظوظ لتوطين الشاعر. ثلاثة أرباع سجلات تاريخنا تدور حول الحرابة،وأن جلّ الشخصيات المحورية التي تحتل موقعًا مميزا في مركز الذاكرة الليبية، تنتمي لسلالة المحاربين، فضلا عن بعض التجار، وزعماء العشائر وشيوخ الطرق الصوفية.ووفقا لهذه السجلات فأن شاعر العربية الفصحى لا يشكل أي تأثير على المخيلة الجماعية، فقط وحده الشعر الشعبي الذي تتناغم سلطته مع استفحال الأمية، هو فارس المشهد، ربما لأنه بطبيعته يمثل ضربا من الشعر الشفوي، الذي في مكنته الانتقال  من فم إلى فم، أي أنه ما زال يتمتع بقدر كبير من الاحتفاء، وترصد له أكبر الجوائز المالية، بوصفه شاعر ذاكرة شعبية، شاعر حافظة، لا تدوين.
* قال اندريه بريتون :” ما من شيء هذه الأيام أصعب من أن يكون الإنسان شاعر قصيدة نثر ” برأيك أين تكمن الصعوبة التي تحدث عنها بريتون وهل تنطبق مقولته على الزمن الحالي لقصيدة النثر ؟ 
ربما لو اتفقنا على مفهوم واضح وأصيل في تعريف قصيدة النثر لأمكننا تحديد مكمن الصعوبة، هذا على افتراض وجود قصيدة نثر عربية خالصة، لها أشكالها وأساليبها الخاصة بها في الكتابة.أما إذا حصرنا السؤال في المعايير التي يمكن أن تكون مشتركة لقصيدة نثر معولمة، يمكن ردّ الصعوبة فيما يتعلق بتوفر شرط المجانية من جهة، فضلا عن الإيجاز، والكتلة كشكل فني.
في الزمن الراهن ثمة من يقول: أن قصيدة النثر نوع أدبي، لا فرع ينتمي لسلالة الشعر العربي في تاريخيته، وأن كل قصيدة يكتبها الشاعر، تحتفظ باستحقاقها كشكل مستقل، وضمن هذه الكليشهات والعناوين الفضفاضة، لن نسوّغ لأنفسنا حيازة مفاهيم بريئة من شبهة الخلط والارتباك. وعلينا الانتظار ريثما يتاح لهذا الصنف من الكتابة الشعرية أن يتربّى على مهل، طالما أن الكمّ الهائل الذي تنتجه آلة الكتابة المدرجة ضمن وسم: قصيدة النثر، يصعّب علينا كثيرًا توصيف حدّ أدنى من المفاهيم التي يمكن من خلالها التعرف على هوية قصيدة النثر.

_____________   نصوص للشاعر العماري


ثكنات 

عندما كنت من سكان الثُكْنَات .
ماذا تفعل بكتاب أيها الأحمق ، يُعنّفكَ الضابط.
هناك : فيما الأحلامُ تحترق ، ولا تترك رمادا
فيما الظلالُ لا وجود لها ، إلا إذا كُنتَ أعمى
فيما الكلمات محض شتائم وعصيّ وبصاق
فيما الحربُ على الأبواب /  تكسّرت النوافذُ.
ما الذي جعلَ ضابطاً صغيراً يثيرُ نصف قرنٍ من الغائط
فيما تتناسل غرفُ التعذيب ، كفصول لتربية الظلام
فيما الظلام يستعين بأسلافه الموتى
فيما الموتى يقتحمون الكتب والشوارع بأعلامٍ وبنادق
يهمسون مرة أخرى : أين ذهب الضابط .
هل يقصدون نهراً أو حديقة ، فيما كانوا  يتركون جثثاً خلفهم
هل يقصدون  شجرةَ زيتونٍ أو نشيداً ، فيما كانوا يصرخون .
حتى أنني لا أفهم  : ما الذي جعل طفلة ترسم قبرا بهذا الجمال الباهر
وتقترح الأحمرَ الحارّ  لتلوين بحيرة ناعمة
هل كانت صغيرتنا الحلوة تبكي ؟
فيما كُنّا نياما أو هكذا شُبِّه لنا
فيما شُبِّه لنا ، كنُا أكثر جرأة في النوم
فيما لم يعد للحرب جرحى يعودون كما في الأساطير
انتظرتْ البنتُ خطيبَها ، مَرَّ الربيعُ حزينا
انتظرتْ مرةً أُخرى  ، اعتذرَ الربيع
قالوا : انتظرتْ ، حتى لم تعد هناك حربٌ رحيمةٌ لكي تنتظر .
وفي الصباح ، عندما لم يجد عاملُ القمامة البنغلادشي بنتاً تتربّص
عندما انتهى الثائرُ من إضافة أقفال جديدة للشوارع
عندما فرغ السكانُ من هدم  بيوتهم التي حلموا بها
عندما لم يعد هناك وطن لكي يحترق ….
: ماذا تفعل بكتاب أيها  الأحمق ، يُعنّفك الضابط  .
أجل كنتُ هناك  ،
فيما كان الجنودُ  فرحين بألقاب ورتب جديدة
فيما نصف الأسماء التي حملوها كانت تبحثُ عن مأوى
أو كما ذُكِر في الأنباء ، كانت تنزف
فماذا لو أكتشفَ الضابطُ أنني أحمل بحراً في حكاية .
فيما  كانت أميرةٌ تغرق ،
فيما صيادون ينتشلون أقراطا وأساور وقلائد ،
فيما شمسٌ تنسحبُ من كراسةِ رسم .
لأن ( رؤيا ) الصغيرة وهي تُلوَّن كانت غاضبةً ، وهذا يحدث أحياناً لخللٍ في الطبيعة
لأن الأميرةَ تركت شعرَها يطفو فوق الماء
لأن موجةً صاعدةً نثرت الشَّعر عالياً ، فحمله طائرٌ  ،  وارتدته غيمة
لأن شاعراً كان جندياً  / 
لستُ أدري  ما إذا كان يحملُ قلماً أو سيفا
حتى أنني لا أرى الضابط ،
فيما كنت هناك
: ماذا تفعل بجثة ،  أيّها الأحمق .
___
أستيقظ مبكرًا:
أكثر من شجرة،
 في انتظاري .
 **
من فرط الانتظار:
شجرةُ البرتقالِ الوحيدة في فناء البيت،
تطرح فاكهة مضللة.
 **
لست أدري
كيف أمسيت عجوزا
ذاكرتي لا تسعفني.
 **
لا أستطيع أن أكون في مكان آخر،
أنا في البيت.
 **
لدي أسباب كثيرة للحزن
لكن بمجرد أن أفتح الباب لأحفادي،
سأغدو بشوشا
مثل كلب في نزهة.
**
صحيح قد بلغت الستين 
لكنني حين أكتب،
أصغي لما يُمليه طفل.
طفل مخطوف،
لا يتوقّف عن صفعي .
**
أسماء كثيرة كانت لي
صارت ريحاً.
حماماتُ جارتنا
تترك ريشها أعمى.
**
لا دخان،
لا ضحك،
لا شيء.
جارتنا تَطبُخ .
 ** 
لكتابة وجهك كما أراه
تلزمني غابة من الأسماء الحارة .
 الكلام أشجار ميتة،
والدخان شبهتك.
 **
أينما ألتفت لا أجد سؤالا.
لغتي تاهت.
 **
 أحمل مرضا مزمنا
والكثير من الجهل والأخطاء
ومع ذلك لست صبورا بما يكفي
فقط،
الانتظار معرفتي الوحيدة.
**
 أنا الآن وحدي.
 تلك السماء
يصعب نسيانها.
**
 أقمت ردحا من مرضي،
لا أبصر إلا ما تتيحه نوافذ كتبي،
لا بيتي المهجور.
**
 ما أصل إليه
ليس بالضرورة ما يُرى .
 **
على الرغم من هذه الفوضى التي أحدثها السرطان  
لا زلت أجلب الخبز والزيت والحكايات،
وأحمل أكثر من  شجرة على كتفي.
 **
حين ألمّح إلى الصداع وغثيان الكيماوي
لا أشكو مرضا.
 حين أعيد قراءة رسائل قديمة  
لا أعني الحنين في شيء.
 وحين أبكي الذين رحلوا.
لا أقصد الموتى.
 **
يا للغباء 
تجمعنا الحرب
لكي نفترق .
 **
تماما كقرية مهجورة
هذه القصيدة.
  لا أحد يوقد ناراً .
  ** 
 منذ سبع سنوات
لم اسأل : من الطارق.
 عناويني تذبل .
 **
في بركة ماء
طفلٌ يحرس ضفادع نشيطة
وأشياء لا ترى.
 **
 في السماء لا اثر للنوم
الغيوم  تسبح،
و الزرازير  تبدو  سعيدة.
**
 برتقالةٌ  وحيدة
على صحن قيشاني بارد،
جمالٌ مهمل .
 **
 طفل يركل كرة صفراء
الشمس تغرب خلف ظهره.
قميصه المشجر،
حديقة تركض في مرح.
   **
 ليلتي البارحة
سرعان ما اختفت
 شيخوختي المبكرة
تقول كلمتها.
 _____
هذه البلاد تروقني  ….
 أعرف أن الله خلقنا لنكون معاً
في هذه الغابة التي تتوغل بعيدا في جسدينا بوحوشها وأشجارها المفترسة ،
في هذه الصحراء العارية كشاة تسلخ ،
وثقلها الهائج ، كحشد محتجّ ،
بأصواتها الراكضة ، التي تنهش الموسيقى 
بأفواهها ، وبراثنها ،  وتاريخها الجائع
باندفاعها البهيم ، وقد استعار مشتقات محاربين قدامى .
في هذه البلاد التي تروقني رغم جمالها المحطّم ،
وهذا البيت الذي لم يعد آمنا . 
في هذه القصيدة التي هجرها الغاوون .
وهذه المرأة الملولة،
التي تكره النوم  وحيدة في الظلام  مع صراصير المنزل ،
النضرة كبرتقالة مطعونة باللهفة ،
دحرجها شتاءٌ عاصف في قصيدة نثر .
أجل، البلاط تروقني جدًا .
** 
حبنا شاسع ،
لا تسعه لغة أو خطيئة.
لا يحتاج برهانا لكي يُسمّى .
 فلماذا تخشين موتي حيًا
فيما أخاف حياتي ميتا ؟
 ______
 لإيقاظ شجرة ..
 الأمنياتُ وحدها لا تصنع كرسيًٍا أو قصيدة  
الأحلامُ البريئةُ كذلك،
 ليست حطبًا جيدا لإشعال ثورات عظيمة،
لانتشال حديقة من الغرق، 
لاستعادة قبلة نازحة،
لاقتلاع غيمة من قعر جبّ،
 لاصطياد ضحكة صافية من حفلة تأبين.
وللمشي أيضا ، أبعد مسافة ممكنة في السرد، 
 للإطاحة  بأغوتا كريستوف ، وحتى شكسبير .
 ليست الأمنيات وحدها
من يصنع سلّما أو حديقة .
 عليك أن تتوقّف
كلّما كانت هناك امرأة تنتظر .
لإنقاذ نهد من حظِّه العاثر، لا تتأخر 
والتحقْ  بأصابعك،
كجنديٍّ يهبط بمظلة،
تمرّغْ كشاة تذبح.
وإذا شئت أن تكون ثائراً،
أو محارباً نبيلاً 
لا يكفي أن ترتدي درعا، 
 أو تحمل سلاحا لا يخمد ،
هناك أكثر من طريقة
لإيقاظ شجرة أو مدينة في كهف .
 من دون أن تترك خلفك رماداً أو جنازة ،
من دون إثارة أيما فاجعة أو فضيحة ،
يمكنك أن تهب القبلةَ عمراً إضافيا  .
فقط  :
أطلق لسانك كما لو كنت تعتق عصفورا  .   
دع فمك حراً ،
دونما تعاليم أو خرائط ،
وأنت ترسم رجلاً سعيداً ،
 يتسكّع في البيت،
 دع خيالك يمشي.
 يأخذ المرأة كما هي
 باختصار ،
أنا الفتى نفسه ،
الجندي المهزوم الذي آزرني لكي أضيع ،
فأر الثكنات ،  قارض العزلة.
برهان النوم  في عهدة الريح ،
الخاسر دائما ،
حيث الأحلام  شيخوخة تزهر  .
**
الجندي نفسه ،
السعيد ، يهب يده للجرحى ،
الساهر  ، يترك الخيار لعينيه تعصران الكتب
حتى آخر قطرة ظلّ .
لكي لا تصبح الموسيقى بلا عائلة ،
والجسد تاريخا للفراغ .
**
هو نفسه :
الروح الطائشة بألم .
الألم الشجاع ، دائما يبتسم .
الصبور على ضراوة الخيال ،
كمعنى أن تجد خبزاً في القصيدة .
**
يقود الكلمات من حلمتها
إلى أن يدمى صوتها من فرط النشوة .
ومن باب الإنصاف في توزيع الألم ،
ظلّ دهراً ، ينتقل من نهد إلى آخر .  
**
الفتى نفسه  
العائد من الحرب بأكثر من ذاكرة تنزف
عرف الكثير من النساء  
بعضهن قصيرات  ،  وحزينات بلا حائط
يسقط في شباكهن عن طيب خاطر
حيث الخضوع مفتاح البهجة .. 
يأخذ المرأة كما هي
بذاكرتها المجروحة وقلبها الأعمى .
كما لو أن الحب صلاة استسقاء
أو كصنف شهي لمقارعة الخوف ،
واللعب بالمستقبل .
 ____
أيها الألف .. 
(1)
أيُّها الألف
يا معلّمي  …….
يا معلّم طفلي كيف تُشطر الباءُ بسيف لا يرى
 ليظفر بدهشة الباب .
 (2)
أحيانا أفكر في وجهك حين تغادرين النوم
كأنك ضراوة الشعر وعجزه
عتبة برزخ ، للغاتٍ ومعادن
وأحيانا أصغي  :
 " أنا بهيمة  " قال رامبو .
**
(3)
ليس كل الذين هتفوا هنا ، أحفاد المختار
من حملوا البنادق وكوّموا الجثث والإيديولوجيات
ومن حكموا خيال الشوارع بالرصاص
ونهبوا الخزائن والمعاجم والأضواء
هناك أصدقاء من شمع ، وآخرون اعتنقوا آلهة الفوضى  
 أعني الدخلاء ، وقد تسلقوا شجرة الربيع
أيها السفلة ، لا أبغي شيئا سوى أن أتعفّن بكرامة
وقد عقدت صفقة ماكرة مع البعوض
لاشيء يباركني غير النسيان
هذه قداسة المنفى
وفضيلة الموت
: أن تَحْلُم
ليظل الخيال مصقولا بالفراغ .
(4)
في تاجوراء مسجدٌ عتيق تربّع ببهاء
على عرش قلعة حزينة
هناك مصلون عوضا عن مقاتلين .
 يقول الرائي : ليس من الحكمة
إضافة ريح لغابة تحترق  .
**
(5)
على الرغم من هذه الفوضى التي أحدثها السرطان  
لا زلت أجلب الخبز والزيت والحكايات ،
وأحمل أكثر من  شجرة على كتفي .
(6)
حين أستسلم للنوم وحدي
وأصمت منزويا في ركن معتم
لا أدّعي الأسى .
حين ألمّح إلى الصداع وغثيان الكيماوي
لا أعني المرض .
وحين أعيد قراءة رسائل قديمة  
لا أعني الحنين في شيء .
وحين أبكي الذين رحلوا .
لا أقصد الموتى .

مما كتب عن العماري

«إن الكتابة عن شاعر مثل مفتاح العماري ليست في منأى عن المغامرة بقدر ما تبدو نصوصه الأنيقة، المتكئة عن تجربة ذاتية حافلة مقتنصة بشكلها البصري لتبني فضاءها المعرفي.
ممتدة من الذاتي إلى الموضوعي ومن التخيُّلي إلى التجسيدي ومن الحواسي إلى الفكرة ومن الرؤية إلى الرؤيا، بقدر ما تبدو أكثر مغامرة في تفكيك مكونات هذه الذات المكتظة».
الشاعر والناقد الليبي سالم العوكلي
 «نتاج شاعر مثل مفتاح العماري كان كبيرًا جدًا، قبل أن يركن في أواخر الثمانينات إلى خطوته الواثقة الأولى “قيامة الرمل” ليتوّج تجاربه الذاتية في مجموعة من الدواوين».
الشاعر عبدالباسط أبوبكر محمد
 «مفتاح العماري؛ من أكثر المشاريع الليبية ثباتًا… حتى الآن لديه شكل للقصيدة يحاول أن يدخل به مناطق مختلفة للهم الشعري. استطاع أن يكتب قصيدة نثرية في غنائية القصيدة العربية وهي معادلة صعبة أضافت إلى حركة الشعر العربي عمومًا». الصحفي أحمد الفيتوري
«الشاعر والكاتب والناقد الليبي مفتاح العماري.
في نصوصه النثرية والثرية بمفردات لغة تُحارِبُ موتًا يقفُ على حافةِ بهجةِ النشيد، على رجفةِ الناي وقد أمعن في النحيبِ، على غيبوبةِ الفجرِ وقد نال الفقدُ غايته في السحقِ، حينما شهدُ أحبتنا لامس ثرى ليبيا بحثًا عن براءةٍ غابت وحقٍ ذاهبٍ في غي ظُلمه وظلامه بعيدًا عن دروبِ النصر.
لكن أمل روحه الشقية مازال يتعلق بِمن يقتلُ الظُلمَ في مهدهِ ويُدِونُ بِدمهِ صِدقَ نبوءةِ العهدِ (سوف نبقى هنا كي يزول الألم) وكنا نُرَدِدُ معًا عبرَ مُناغاةِ ثورةٍ بأقواسِ نصرها المُشتهاة…
الشاعر والناقد الليبي مفتاح العماري.. ظِلُ حرفٍ مُناضِلٍ، يغزو بسطوتهِ رهافةَ أرواحنا. نحن المُنشغلين بصرخةِ وطنٍ أنهكه رصاصٌ صهيوني غربي غادر يجيدُ صِناعةَ الموتِ والخرابِ».
الشاعرة الفلسطينية وجدان شكري عياش
_______________  
رابط الملف 
 https://nousos.com/?p=1390
__________________________________________________________






       اللوحة للفنان التشكيلي : علي العباني