مفتاح العمّاري
كنت
قد قرأت لإيمان مرسال مجموعتها
الشعرية (حتى أتخلّى عن فكرة البيوت )
والتي تكتنز بطزاجة تجعلها أكثر نضارة وأبلغ أثرا
بفضل تلك الحمولة الحارة من اللقطات البصرية الحيّة ، حيث كل شيء يمثل مترعا بسخونة اللحظة عبر
تلك العفوية في السرد الشعري كنسق عام
في نظام الجملة الشعرية في هذا المتن ، فضلا عن التقاط الهامشي والمهمل ، ولملمة
الأشياء داخل سلة من البداهات . ففي وقت أمسى فيه الشعر يفقد تفاعله ويخسر قراءه
وعلاقاته النسيجية مع محيطه ، تنجح إيمان مرسال في إيقاظ روح لقصيدة ، وإعادتها
للحياة ، بتلقائية بسيطة خالية من أي تكلّف أو ادّعاء .
لكن في تجربة المشي سيختلف الأمر . لعل ما يحفز
إيمان مرسال ، على " المشي أكثر وقت ممكن
" بأن كل شيء يمكنه أن يكون شعرا . لا بأس ، فللجاحظ قبل زمن بعيد ، ما
يشير إلى هكذا مفهوم ، على اعتبار أن : المعاني مطروحة على الطريق ، أو في الطريق
. وعلى الرغم من أن الشعر لا يكتفي بكونه محض ضرب من معنى يمكن ترجمته عبر كلمات
وصور ، كما هو الحال في هذا النسق السردي
الاعترافي الذي استمرأته الشاعرة هنا ، بل
هو أحيانا يتعذر فهمه ليفسح إمكانية التقاطه بواسطة الحواس ، ليس للخروج بمعنى أو
نحوه ، بل يؤمل منه - أي السرد في قصيدة النثر – أن يشي بمعرفة أخرى ، خلافا
لوظيفته في القصة أو الرواية . كذلك خلافا لتلك الخيبة التي طفحت بها
المقترحات في هذا الدفتر ، والتي جاءت في مجملها على شاكلة قصيدة " أيميل من أسامة الدناصوري " ، لكأن هذا الصنف من اللعب يتبرأ من أية
مسؤولية إزاء الكتابة ، وأن العبث واللهو والتهكم
، وازدراء الرصانة ، وهشاشة اللغة ، وتحقير الإيقاع ، هو جزء من مفاهيم
قصيدة النثر ، والتي باتت يوما بعد يوم تشيد فراغها ، وتبتكر المزيد من أصناف العزلة .
قد يعزى ذلك إلى شبهة في مسار عولمة قصيدة
النثر ، كنوع جديد من الكتابة الشعرية ، وصنف عابر للقارات ، وناسف للهويات . لكن
وعلى الرغم من انحيازنا لهذا الشكل من أشكال الكتابة ، علينا في الوقت نفسه
أن نستدرك ما يمكن استدراكه من قيم لصالح القصيدة ، والتي يقتضي الوعي بجدواها أن
نتشبث بها كبرهان على وجود ما هو آدمي وحقيقي وأصيل وسط هذا النمو المخيف
للتفسّخ .
__
أدرجت هذه الملاحظات ضمن تعليقاتي في موقع رفّي
باسم ( عبد السلام alammary19) . وهو وسم صفحتي في الموقع .