وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الأحد، 23 أغسطس 2015

عودة المماليك

مفتاح العمّاري

رأس المملوك جابر



     تقول الحكاية : بأنه في قديم الزمان كان في بغداد ثمة وزير سيئ الطالع عاش ردحا من الزمن محاصرا داخل أسوار قصره بعد أن نشب النزاع والشقاق بينه وبين الخليفة ، وقد تعذّر عليه وقتذاك خرق رقابة الحراس والجواسيس ، بغية تمرير رسالة يطلب فيها النجدة من أحد ملوك العجم  .  تضيف الحكاية  بأن أحد مماليك الوزير  ويدعى ( جابر )  كان شديد الولع والهيام بفتاة جميلة ، اسمها ( زمرّدة )  هي خادمة زوج الوزير .  ولأن المملوك جابر قد  حدس على نحو ما قلق سيده الوزير الذي كان يخطّط بصمت لتسليم مفاتيح بغداد لملك العجم  والإطاحة بسيده وولي نعمته خليفة بغداد  ، لكي يجلس هو  على كرسي الخلافة  .  يومها وجد المملوك الفرصة سانحة  لكي يقوم بمهمة حمل الرسالة الخائنة ، وذلك بعد أن توصّل إلى فكرة شيطانية لا يخامرها شكّ ، حيث اقترح أن يكون رأسه هو  بمثابة  ورقة خفية لكتابة عبارات  الخيانة تلك .. وذلك مقابل  موافقة الوزير على زواجه من الخادمة ( زمردة )  .. وفي الآن  نفسه  ، كانت لدى المملوك أحلامه الصغيرة وأطماعه الجديرة بخيال الخدم الأذكياء  . وهكذا، عجل الوزير باستدعاء الحلاق  الذي تفنّن في جعل رأس المملوك جابر صفحة ناصعة وسلسة تطاوع ريشة الخطّاط  ./  لكن وفي اللحظة ذاتها التي كاد خلالها الخطاط أن ينتهي من تحبير آخر حرف  من حروف الرسالة ، تغيّرت نظرة الوزير إزاء مملوكة  ، وخمّن بينه وبين نفسه بأن هذا الكائن  الحالم الذي يتفوّق ذكاؤه على ذكاء الخدم ، قد يضمر طموحا لا تقف حدوده  عند الخادمة زمردة ..  لذا بيت الوزير أمرا ما ،  وفي اللحظة ذاتها مرّر بخفة ماكرة  ورقة مطوية إلى الخطاط الذي ارتبك للوهلة الأولى  لهول ما تنطوي عليه العبارة  من شرّ لا فكاك  منه .. ثم ما لبث أن سيطرالخطاط على ارتعاش أصابعه الخائفة  ، وخطّ رغما عنه  الجملة القصيرة التي تنطوي على فداحة المجهول  .  بعدها عُزِل المملوك ( جابر ) في غرفة منفردة داخل دهاليز القصر المحاصر  ، يقوم على حراستها  سجّان غليظ القلب ، ريثما ينمو شعر رأسه  ، لينطلق بعدها إلي بلاد العجم  .  وفي ذات صباح حانت ساعة الشؤم  لكي ينطلق المملوك لتأدية رحلته الغريبة  التي ما من أحد يعلم وجهتها غير سيده الوزير .  لكن حين انكشفت لملك العجم ملامح الكلمات الخفيّة ، أدرك بأنه قد أضحى قيد أنملة  من حلمه في الاستيلاء على بغداد ،  وامتلاك كنوزها الوافرة  .. لذا حرص دون إبطاء  على تنفيذ وصية وزير بغداد  التي أكدت على قطع الرأس الذي حمل عبارات الرسالة النادرة  .  وهكذا كانت خاتمة أحلام المملوك ،التي بدأت بغزو بغداد  ونهب كنوزها وثرواتها الهائلة . لكن ثمة  هنا العديد من الإشارات  التي تركتها هذه الحكاية مفتوحة لشهية التأويل ، وقد أخفاها الكاتب بدهاء شديد الحنكة ، وكأن سعدالله ونّوس  حين سطّر :مسرحية ( مغامرة رأس المملوك جابر )  قد حدس  على نحو ما بالمصير الفاجع الذي جعل من أحلام المماليك والخدم  طرفا رئيسا في نسج مؤامرة كبيرة ، لا أحد بعدُ يمكنه سبر نهاية ما ، لفصلها الأخير .