مفتاح
العمّاري
صباح الخير أيها البحار النبيل * ..
صباح الخير:
خليفة الفاخري ** ..
صباح الخير لما تبقى من جسد الحكاية .. حيث لاشيء يجدي
أمام ضراوة الموت التي أيقظت القراءة الخائبة وعجلت اللحظة المحتملة . فالموت يا
أخي هو القارئ الأكثر فداحة والمتفرج الوحيد الذي يهيمن علي شراسة المشهد . لذا
حين عجز وأد براءة الحكاية . تقمّص في أول الأمر هيئة بليدة وتستر
خلف قراءة خاملة لا يعول عليها . قراءة خاضعة لوتيرة واقع ثقافي معاق وقاصر عن
الإحاطة ببهاء الكلمة وترويض خيولها الجامحة ، وفي
آخر الأمر أيها الحكاء الجميل تربص الموت بجسدك .
كنت أيها المشاء مغامرا شجاعاً تفتح مغاليق المعرفة وتقتحم كنوز الحكايات
. هاجسك الوحيد : انتصار الحياة .. فجاءت
حكاياتك متخندقة ببلاغة الحفر في تربة المخيلة
الأشد مجازاً وتغوراً في اليومي، فصرت بحق حكاءً وشاعراً وراويا سامقاً ، تتموقع برصانة واقتدار ، ضمن أبرز المؤسسين لديوان النثر الليبي ، الذين منحوا
الكتابة عطر المفازة ونكهة البحر . كنت صياداً ماهراً تقود مراكب السرد
في ثقة القبطان النبيل الذي لا تعوزه حكمة إهمال الجيف والنفايات تطفو على السطح
مفتونة ببرق عدسات التصوير وضوضاء الصحافة ..
واخترت أن تظل وحدك تغوص بعناد إلى أقصى القعر ، منقّبا عن درر المعنى ، ومفردات
الحكاية الغائرة في ذاكرة المدينة ، لكنك لم تجد إزاء حماقة التهميش سوى اللجوء
إلى صفة المصحح اللغوي متشبثاً بتقويم الرداءة ، مكتفيا
في الحدّ الأدنى ، بهذا الدور الهامشي الذي يكرِّس
الكسوفَ رأفةً بحلم الحكاء . حيث يُمسي الانزواءُ في ركن مطبعة مهملة ، وبأجرٍ
زهيدٍ ، جديرا دونما ادعاء بمعالجة أمّية الكتبة .. منكباً على جثث النصوص الردئية،
كجرّاحٍ يُدرك تماماً جسامة الخطأ اللغوي ، مما
جعلك أكثر توجعا من الكلمات ذاتها التي تمزقت دلالاتُها وسط مجانية المسوخ الذين
اقتحموا منابر الثاقفة وقاعات الأدب .
صباح
الخير أيها البحار النبيل ..
ومعذرة إن تزامن رحيلك مع مجازر شارون وفتنة العولمة التي تكتسح ثقافُتها أخلاقَ
الناشئة الذين أمسوا يتطلعون بشغف لسراويل مايكل جاكسون ،
حيث لامناص لمواسم الحكايات إلا أن تنسحب مرغمة إلى محطات الغبار،
ومرافئ النسيان .
معذرة أيها البحار النبيل ، على غفلتنا
المريبة ، ومعذرة لسهونا ، فها أنت ترحل وحيداً تاركاً حكاياتك المرحة وسادة مسك ،
تنثر النجوم في ليل الخائبين .
_____
*كتبت بأيام
قليلة بعد رحيل الكاتب خليفة الفاخري .
** خليفة الفاخري ( 1942-2001) كاتب ليبي . انشغل بخدمة السرد ، وترك اثارا مميزة في مدونة القصة الليبية .