مفتاح العمّاري
رواية أرض الميعاد
في وقائع "
أرض الميعاد " رواية الكاتب الروسي " يوري كوليسنكوف " ، نتعرف على
قصة شاب يدعى " حاييم فولدتير "
من يهود رومانيا ، يجد نفسه فجأة متورطا في مصيدة الدعاية الصهيونية المبشرة
بخرافة أرض الميعاد (فلسطين) : الطيب
والعسل وجنة الله فوق الأرض .. وخاضعا في الوقت ذاته لسياط ترهيب مخطط سري تشرف
عليه لجان غامضة تدبر عمليات العنف الذاتي ضد الشتات اليهودي . وفي أتون سياسة الترهيب والترغيب أضطر الفتى
للتطوع في فرق التدريب العسكري " الأكشارا " كخطوة أولى باتجاه الرحيل
إلى الأرض الموعودة . حدث ذلك والتاريخ يقف مرتبكا وقلقا على عتبات حرب عالمية
ثانية ، فقد بدأ هتلر يضع العالم في عنق
الزجاجة ، وفي الوقت نفسه يمهد الطريق
للصهيونية ، ويضع حصانه السحري أمام عربة " وعد بلفور " لتنقل مئات الآلاف
من الشتات إلى فلسطين بذريعة العداء
للسامية ، التي كانت مجرد دعاية تكتيكية تشرف على تنفيذها سرا لجان مختصة من
الحركة الصهيونية ، استطاعت أن تخترق الرايخ بواسطة رؤوس الأموال الكبيرة . هذا ما
تؤكده الرواية على لسان أحدى شخصياتها التي تقول " لو لم يكن هذا الأدولف
هتلر، موجودا لكان علينا نحن الصهاينة أن نوجده " وهكذا كانت النازية منسجمة تماما مع مقولة – هرتزل - "
بأنه كلما ازدادت المذابح ضد الشتات اليهودي
اقتربت اللحظة المناسبة لإنشاء الوطن ." لتجد العنصرية الصهيونية في النازية - شقيقتها
الروحية – محرضا معنويا وماديا لإيقاظ نعرة العرقية والعنصرية لدى يهود العالم ،
وفي الوقت ذاته كان الصهاينة يدأبون على الشكاة
والبكاء والتنديد بجرائم هتلر في الصحافة والمحافل
الدولية لكسب المزيد من التعاطف وتهيئة الرأي العام ، لإعلان قيام دولتهم في
فلسطين ، وهذا ما انتزعوه في ما بعد من عصبة الأمم .
وفي سياق تطور أحداث هذه الرواية ، نجد أن
الشاب " حاييم " مايلبث أن يكشف
أكذوبة أرض الميعاد حين يصطدم وهمه بشراسة الواقع وتتبخر أمامه أنهار الحليب
والعسل ، ويرى عن كثب ما تقترفه العصابات الصهيونية في فلسطين من جرائم النهب للبيوت
والمزارع ، واقتلاع السكان من ثراهم .
ولأنه قد خضع هو الآخر لأعمال الترهيب قصد التفريق بينه وبين زوجته اليونانية بحكم
أنهم يريدونه يهوديا خالصا ، يقرر أخيرا الهرب من فلسطين ، والعودة إلى أرض الوطن
" رومانيا " . ولكن ما تضمره
الرواية بامتياز يشير في كل حركة من
حركاتها السردية إلى آلية العنف ، التي تمثل محورا أساسيا في البرنامج الصهيوني .. هذا العنف الذي بدأ في مرحلته الأولى كطابع تكتيكي ، عندما كان يمارس ضد الشتات ، قد تحول في مرحلته الثانية إلى طابع استراتيجي ، يهدف إلى ابادة وتشريد السكان الأصليين من عرب
فلسطين ، الذين وجدوا أنفسهم ضحية
مؤامرة دولية كبرى متعددة الأطراف ، لتجعل
منهم : شتات العالم الجديد .