وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الأحد، 23 أغسطس 2015

أرض الميعاد

مفتاح العمّاري


رواية أرض الميعاد




     في وقائع " أرض الميعاد " رواية الكاتب الروسي " يوري كوليسنكوف " ، نتعرف على قصة شاب يدعى  " حاييم فولدتير " من يهود رومانيا ، يجد نفسه فجأة متورطا في مصيدة الدعاية الصهيونية المبشرة بخرافة أرض الميعاد  (فلسطين) : الطيب والعسل وجنة الله فوق الأرض .. وخاضعا في الوقت ذاته لسياط ترهيب مخطط سري تشرف عليه لجان غامضة تدبر عمليات العنف الذاتي ضد الشتات اليهودي  . وفي أتون سياسة الترهيب والترغيب أضطر الفتى للتطوع في فرق التدريب العسكري " الأكشارا " كخطوة أولى باتجاه الرحيل إلى الأرض الموعودة . حدث ذلك والتاريخ يقف مرتبكا وقلقا على عتبات حرب عالمية ثانية  ، فقد بدأ هتلر يضع العالم في عنق الزجاجة  ، وفي الوقت نفسه يمهد الطريق للصهيونية ، ويضع حصانه السحري أمام عربة " وعد بلفور " لتنقل مئات الآلاف من الشتات  إلى فلسطين بذريعة العداء للسامية ، التي كانت مجرد دعاية تكتيكية تشرف على تنفيذها سرا لجان مختصة من الحركة الصهيونية ، استطاعت أن تخترق الرايخ بواسطة رؤوس الأموال الكبيرة . هذا ما تؤكده الرواية على لسان أحدى شخصياتها التي تقول " لو لم يكن هذا الأدولف هتلر، موجودا لكان علينا نحن الصهاينة أن نوجده " وهكذا كانت النازية منسجمة تماما مع مقولة – هرتزل - " بأنه كلما ازدادت المذابح ضد الشتات اليهودي  اقتربت اللحظة المناسبة لإنشاء الوطن ."  لتجد العنصرية الصهيونية في النازية - شقيقتها الروحية – محرضا معنويا وماديا لإيقاظ نعرة العرقية والعنصرية لدى يهود العالم ، وفي الوقت ذاته كان الصهاينة يدأبون على الشكاة  والبكاء والتنديد بجرائم هتلر في الصحافة والمحافل الدولية لكسب المزيد من التعاطف وتهيئة الرأي العام ، لإعلان قيام دولتهم في فلسطين ، وهذا ما انتزعوه في ما بعد من عصبة الأمم . 

   وفي سياق تطور أحداث هذه الرواية ، نجد أن الشاب  " حاييم " مايلبث أن يكشف أكذوبة أرض الميعاد حين يصطدم وهمه بشراسة الواقع وتتبخر أمامه أنهار الحليب والعسل ، ويرى عن كثب ما تقترفه العصابات الصهيونية في فلسطين من جرائم النهب للبيوت والمزارع ، واقتلاع السكان من ثراهم  . ولأنه قد خضع هو الآخر لأعمال الترهيب قصد التفريق بينه وبين زوجته اليونانية بحكم أنهم يريدونه يهوديا خالصا ، يقرر أخيرا الهرب من فلسطين ، والعودة إلى أرض الوطن " رومانيا "  . ولكن ما تضمره الرواية بامتياز  يشير في كل حركة من حركاتها السردية إلى آلية العنف ، التي تمثل محورا أساسيا  في البرنامج الصهيوني  .. هذا العنف الذي بدأ في مرحلته الأولى  كطابع تكتيكي ، عندما كان يمارس ضد الشتات  ، قد تحول في مرحلته الثانية  إلى طابع استراتيجي  ، يهدف إلى ابادة وتشريد السكان الأصليين  من عرب  فلسطين ، الذين وجدوا أنفسهم  ضحية مؤامرة دولية كبرى متعددة الأطراف  ، لتجعل منهم : شتات العالم الجديد .