مفتاح العمّاري
تأنيث الألف
تعد
الحكاية حلم توطين ، ليكون السفر داخلها لا خارجها ، هكذا هي تبعا لألف ليلة وليلة وشقيقاتها : شهرزاد تسرد التاريخ
السرّي للجسد / شهريار يصغي بتأويل من يكتب لحظة أن يتعقّب المعنى بفحولة/ شهريار يسافر / شهرزاد تقيم / المفارق هنا يشير
إلى برزخ ما بين الظل والضوء :
شهرزاد تخفي نفسها عبر الحكاية ، بينما شهريار يعريها بتلذذ .. وإذا كان الموت
سفرا حيث لا أين بعد الفناء ، فشهرزاد تتوطّن
حيث لا بقاء بلا منفى ،المنفى داخل الرحم عبر التحقق بوجود الجسد التاريخي الذي يروّض
بلاغة سرده في الليل ، فما الحكاية هنا سوى ضلع صغير في لعبة التأنيث ، تأنيث اللغة وإنقاذها من استبداد الذكورة صانعة الحدث
والبطولات والقوانين والحروب والإمبراطوريات ، غير أن لحظة الإصغاء بالنسبة لشهريار تعد فعل كتابة بقلم الفحل .. أي
إننا إزاء تجاذب بين الأنوثة والذكورة ، السكن والرحيل ، الحياة والموت حيث كلاهما
شرط الآخر وروحه ، يوجد بوجوده ، ويتجسد مأموله من خلاله وبه / شهرزاد : السكن ، الجسد ، الرحم ، الوطن . هي
ميكانزم دائم الحركة في دورة استدراج الحياة وتأكيدها ، وبالمقابل يتمحور شهريار داخل السرد ، وان رام التبختر خارج
نسيجه ، مدركا بأن الأنثى ( شهرزاد ) تستأنس لعبة
المواربة خلف سجف من حكايات تتناسل وتنمو
وتنتشر ، تتخفّى وراء ضباب خرافات
لا تكف عن اجتراح تداعياتها . هكذا تُحقِّق
استقرارها عبر تشتيت الملايين من الكلمات المنبوذة ، تنكش أكواما من الوقائع والأسرار المحرّمة لكي تغلف ببراءة الأنثى مضانها ومرامها ومأمولها ، تستدعي ما لا يحصى ويعد
من المحكومين بالفناء لتؤجل بإيقاع واثق لحظة فنائها ، لعلها توقع الذكر في شراكها ، سعيا للخصوبة والنماء ، لا القحل والجفاف
..لكن اللعبة هنا لا تخلو من متاهة المغامرة ، لهذا يكون مصير الرحالة في معظم خواتم الف ليلة
وليلة ، فاجعا وتراجيديا ، ونهايته غامضة ومجهولة
، الرحالة الذي يوجد داخل الحكاية ، قد يُغَيََّب حينا لصالح أن تظل شهرزاد حية
وذكية ونشيطة خارج الحكاية وداخلها .. شهرزاد وحدها التي يتعذر هنا القبض على
حقيقتها ، وهنا يكمن سحرها وجمالها، فهي دائما منطقة برزخ ، وبقدر سطوعها ومثولها
الحاضر ببهاء له عنفه ومثيراته ، تشي في
الوقت نفسه بجسد من سديم ، وبإعجاز التلاشي ، كائن يمكن للوهلة تطويقه والإحاطة به
، وفي اللحظة ذاتها يتعذر الإمساك به .. هذا ما يهب صيرورة حياة اللغة ، تحريرها
من هيمنة الذكورة ، عبر تأنيثها . وسيظل
المجهول والغامض تبعا لحكايات شهرزاد هو ما يكفل صيرورة السرد ،واستئناف كتابة
الحياة .
¨