وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

السبت، 22 أغسطس 2015

تأنيث الألف



مفتاح العمّاري


تأنيث الألف




     تعد الحكاية حلم توطين ، ليكون السفر داخلها لا خارجها  ، هكذا هي  تبعا لألف ليلة وليلة وشقيقاتها : شهرزاد تسرد التاريخ السرّي للجسد  / شهريار يصغي  بتأويل من يكتب  لحظة أن يتعقّب المعنى بفحولة/ شهريار  يسافر / شهرزاد تقيم / المفارق هنا يشير  إلى برزخ ما بين الظل والضوء  : 



 شهرزاد تخفي نفسها عبر الحكاية ،  بينما شهريار يعريها بتلذذ .. وإذا كان الموت سفرا حيث لا أين بعد الفناء ،  فشهرزاد تتوطّن حيث لا بقاء  بلا منفى  ،المنفى داخل الرحم  عبر التحقق بوجود الجسد التاريخي الذي يروّض بلاغة سرده في الليل ، فما الحكاية هنا سوى ضلع صغير  في لعبة التأنيث ، تأنيث اللغة  وإنقاذها من استبداد الذكورة صانعة الحدث والبطولات والقوانين والحروب والإمبراطوريات ، غير أن لحظة  الإصغاء  بالنسبة لشهريار تعد فعل كتابة بقلم الفحل .. أي إننا إزاء تجاذب بين الأنوثة والذكورة ، السكن والرحيل ، الحياة والموت حيث كلاهما شرط الآخر  وروحه  ، يوجد بوجوده ، ويتجسد مأموله من خلاله وبه /  شهرزاد :  السكن ، الجسد ، الرحم ، الوطن .   هي ميكانزم دائم الحركة في دورة استدراج الحياة وتأكيدها ، وبالمقابل  يتمحور شهريار داخل السرد ، وان رام التبختر خارج نسيجه ، مدركا بأن الأنثى ( شهرزاد )  تستأنس  لعبة  المواربة خلف سجف من حكايات تتناسل وتنمو  وتنتشر ،  تتخفّى وراء ضباب خرافات لا تكف عن اجتراح تداعياتها . هكذا  تُحقِّق استقرارها عبر تشتيت الملايين من الكلمات المنبوذة  ، تنكش أكواما من الوقائع والأسرار المحرّمة  لكي تغلف ببراءة الأنثى  مضانها ومرامها ومأمولها ، تستدعي ما لا يحصى ويعد من المحكومين بالفناء لتؤجل بإيقاع واثق لحظة فنائها  ، لعلها توقع الذكر في شراكها  ، سعيا للخصوبة والنماء ، لا القحل والجفاف ..لكن اللعبة هنا لا تخلو من متاهة المغامرة ،  لهذا يكون مصير الرحالة في معظم خواتم الف ليلة وليلة  ، فاجعا وتراجيديا ، ونهايته غامضة ومجهولة ، الرحالة الذي يوجد داخل الحكاية ، قد يُغَيََّب حينا لصالح أن تظل شهرزاد حية وذكية ونشيطة خارج الحكاية وداخلها .. شهرزاد وحدها التي يتعذر هنا القبض على حقيقتها ، وهنا يكمن سحرها وجمالها، فهي دائما منطقة برزخ ، وبقدر سطوعها ومثولها الحاضر ببهاء له عنفه ومثيراته  ، تشي في الوقت نفسه بجسد من سديم ، وبإعجاز التلاشي ، كائن يمكن للوهلة تطويقه والإحاطة به ، وفي اللحظة ذاتها يتعذر الإمساك به .. هذا ما يهب صيرورة حياة اللغة ، تحريرها من هيمنة الذكورة  ، عبر تأنيثها . وسيظل المجهول والغامض تبعا لحكايات شهرزاد هو ما يكفل صيرورة السرد ،واستئناف كتابة الحياة .   

¨