وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الأربعاء، 15 مايو 2019

الحرب مرة أخرى


مفتاح العمّاري




_________   الحرب مرة أخرى

     هاهم الليبيون يخوضون حربا ضد أنفسهم؛ وها هي طرابلس مرة أخرى تحت القصف. كأن الحرب وحدها هي كل ما نملك؟ حتى لا نجد ما نفعله سوى أن نتقاتل. وفي نهاية المطاف تدمر ليبيا بسواعد أبنائها. قد تطول الحرب ( من يدري) وتتحول إلى آلة استنزاف لما تبقى من شبابنا؛ (ثروتنا البشرية التي لا تعوض)، فضلا عن المال والعمران والأحلام، ولن يبقى شيء سوى قبورنا وحطامنا. لا شيء سوى الحزن؛  الحزن والرماد.

    أعرف أن هذا الكلام قد لا يرضي من يزكّون الحرب ويحرضون على خوض معمعها؛ وسيعد نشازا لكل الأطراف المتحاربة، بمختلف اتجاهاتها ومذاهبها ومشاربها وانتماءاتها، سواء أكانت إيديولوجية أو عسكرية أو مدنية أو قبلية أو جهوية ... الخ. وقد يكون في آن مستفزا ومخيبا لمن يرون في الحرب ضرورة لإنهاء الصراع، بوصفها المسار الوحيد لتحقيق استقرار البلاد وأمنها، بل وديمقراطيتها وحريتها؛ إن لم تكن ( الخلاص النهائي) المرتجى.

   ومع ذلك لا يمكنني أن أبخس نفسي ممارسة استحقاقها، وأن أقول كلمتي (أي وجهة نظري ورؤيتي) في الحرب التي يتفق الجميع في كراهيتهم لها؛ ومع ذلك يأتونها مرغمين، وكأن لا شيء غير الدم المقدس من يتكفل بطرد اللعنة، أي لا بد من تقديم قرابين بشرية. هذا الطقس الدموي لا يتأتى إلا بعد أن تتواطأ الجماعة وتتآمر على تغييب العقل، حيث لا مجال للحكمة القائلة بحقن الدماء، واللجوء للمسارات السلمية عوضا عن الاقتتال. وهكذا يقتل الأخ أخاه؛ توهمًا لتحقيق العدالة، وأيضا لكي يكون الربيع ربيعا، عندما يُروى ثراه بدماء الضحايا.
       ماذا سنجني من وراء الحرب غير هذا الحطام الذي طال نفوسنا قبل بنياننا.   ألا تعد الكلمة سلاحا يمكن اللجوء إليه عوض لغة النار. أمم كثيرة عالجت أزماتها، وتوحدت أوطانها حين رأت في التصالح والتسامح عبر الحوار وتقديم التنازلات من أجل الحفاظ على كيان الأمة وصون مكتسباتها ولاسيما ثرواتها البشرية، لأن الفروسية لا تتحقق فقط بفعل حملة السلاح، بقدر ما تكون أمضى وأكثر شرفا وفخرا ومجدا حين تلجأ إلى الكلمة؛ لأن الله وهبنا العقل والحكمة والبصيرة والحلم لكي نحترم أفضال هذه الهبات، ونوظفها في صالح الحياة لا الموت.
¨