مفتاح العمّاري
ثمت ذاكرة ينبغي إتلافها ، ولغة معتقلة
علينا إحسان تربيتها على اقتراف المزيد من التمرد والمروق والعصيان حتى تخرج كداعرة مهذبة . مسلحون يتبخترون على طريقة
هوليود ، يرتكبون دونما غضاضة أبشع الفظائع ، أمسى مصيرنا رهن مزاج بنادقهم وطيشهم
، فما من أحد يجرؤ على الجهر علانية
مطالبا بطردهم خارج المدينة الكبيرة بعد تلك المجزرة التي ذهب ضحيتها عشرات
القتلى . ذاكرة متعفنة ، هي من فصيلة ذبح
ونهب ونميمة وأبطال مزيفين ، وجلسات شاي ، من بلور مغشوش وشرس ، الكرامة الوحيدة
الجديرة بتبجحها ، تكمن في المثابرة على تحطيمها دونما هوادة .
منذ ثلاثة آلاف عام وأنا أحاول الفرار من الماضي المعذّب ، والركض
إلى أقصى حد ، بعيدا عن تمزقات الأسلاف ، عن البغض والكراهة .
كان
يؤلمني ، كلما رأيت تاريخي يتبع كلبا مدربا وأنا أتبع الاثنين ، ممتنا للكلب لا
التاريخ بهذه النزهة. كانت المرة الأولى التي أرى خلالها كلبا أسود بهذا الحجم الضخم والمخيف . بدا نظيفا
ومزهوا وهو يقضم قطعة لحم بقري والدماء تصبغ حواف فمه ، وتنسكب في خيوط مخاطية حمراء
.. بينما نحن كعائلة مجتمعة بالكاد نظفر كل يوم جمعة بربع نصيب الكلب .
ربما لأنه كلب كافر يحظى بكل هذا التدليل المبالغ فيه ، بينما كلاب المسلمين تتجول
ذليلة وهي تقلب القمامات علها تعثر على فضلات من عظام وبقايا طعام بائت .
لهذا سيظل النباح الذي يطلقه الماضي يثير
الكثير من الفزع ، فلطالما كانت تغزوني
ظلال تلك البهيمة .