وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الخميس، 31 ديسمبر 2015

رواية طائر ازرق نادر يحلق معي

مفتاح العمّاري


أصالة السرد
في سير المقهورين والمنبوذين والمهمّشين

      مع رواية " طائر ازرق نادر يحلق معي " للروائي  المغربي : يوسف فاضل  نجد أنفسنا إزاء مشروع روائي أصيل – لا أبالغ إذا قلت - انه يترسخ بفرادة نوعية داخل مدونة السرد العربي والعالمي . لعل الإنصاف هنا ، يقتضي التنويه بعديد الفضائل لهكذا تجربة ، كلما كانت القراءة أكثر رصانة واجتهادا ، وتمعنا في تأملها لخصائص العالم المتخيل في طائر ....  يوسف فاضل  . لأن أصالة الكتابة الإبداعية في هذه الرواية النوعية ، تستمد أولى مقوماتها من كونها تعيد خلق الحكائي العربي واستدراجه إلى هامش (حداثي) معاصر . هذا ما تنشغل به قوانين السرد في الجملة الروائية ، والتي يمكن ملاحظتها أكثر وضوحا في الأجزاء التي أسند حكْيها في النص للكلبة هندة ، وبابا علي ، وبنغازي .   وعلى الرغم من أن السجن هو الخلفية العامة لفضاء هذه الرواية ، والتي توسم بدلالات تتعلق بالسماء المفتوحة كما يشي عنوانها .  لكنها تبدو أكثر توغلا في استنطاق الحضيض ، ونكش عفونته ، لتعرية  الواقع الاجتماعي المفكك والقاسي .من دون أن تتخلّى عن استبطان التحليق كحركة دينامية تشكل الطاقة الداخلية ، بغية استنفار اللغة ومقارعة لحظتها بكل ما يعتمل في - اللحظة ايّاها -  من مفارقات لا إنسانية .  وهي خلافا لتلك الرصانة التي غلّفت  رواية : العتمة الباهرة ، للطاهر بن جلون ، وغيرها من المقترحات التي تمحورت حول سجن تزمامرت ، وسير المسجونين ، جراء ذلك العقاب الذي طال المتورطين في المحاولة الانقلابية ، التي استهدفت الإطاحة بالعرش الملكي ، في مطلع عشرية السبعينيات من القرن العشرين ، باعتبارها أي : طائر أزرق نادر يحلق معي - هي الأخرى تتخذ من مؤسسة السجن محورا أساسيا لوقائعها العنيفة .  غير أن العالم هنا يذهب بعيدا ، متوغلا إلى أقصى حدّ يمكن تخيله في الإغراب ، والذي يحتلّ حيزا واسعا في تنضيد وسكّ عالمه السردي ، وبصورة خاصة إزاء تلك المقاطع أو الأجزاء التي ترويها الكلبة هندة . حيث  يتخلل اللا معقول نسيج الواقع  . كذلك لا تخلو المرويات الأخرى والتي تتقاسم زوايا السرد  ، وقد توزعت - كما أشرت - عبر أصوات متعددة ، من زينة إلى عزيز ، مرورا بختيمة وبنغازي وبابا علي ، الخ . كان المونولوج ، أو الحوار الداخلي لعزيز في معقله على الرغم من طابعه الهذياني ، يكتنز بحمولة شعرية عالية ، في التقاط أصغر التفاصيل ، لتحتل موضوعا ذا شأن ، تلك الدقة والسلاسة في تداعيات التعايش القسري مع الألم والظلمة والعفونة والحشرات ، وقد خضعت لخطاب ساخر وتهكمي ، لتصعيد العبثية في أقصى درجاتها بهيمية وتوحشا . ثمة نقطة أخرى تسجل كمأثرة نوعية في تجربة يوسف فاضل ،ولا سيما في هذه الرواية ، وهو انفتاح النص الروائي على مجموعة من الأنواع الأخرى ، وتذويبها  داخل سيولته ، كالشعر والمسرح والسينما .  بالطبع لا تعد هكذا محاولات جديدة ، غير أن عمل يوسف فاضل يتجلى بطريقة شديدة الاختلاف والمغايرة عن سابقيه ، سيما وانه يخضع هذا الانفتاح في تجربته لعملية صهر واعية بخلطة خامتها ، مدركا مرام إشاراتها . 

    طائر ازرق نادر يحلق معي : رواية يتجلى فيها العشق مخلوطا بالفساد ، والقمع الاجتماعي والسياسي . غير أن التيمة الرئيسة التي تغذي الطاقة الشعرية في هذا السرد ، تظل دائما رهن التحليق ، والعلو والتشبث بالسماء إلى درجة التلاشي في سديمها .
   أشير أيضاً إلى أن هذه الرواية قد وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة بوكر للرواية العربية . كنت قد قرأتها في حينها - قبل الإعلان عن الرواية الفائزة - ليس بدافع تأثير إعلاني يتعلق بترشيحها للجائزة ، إنما لأنني كنت على دراية بالإمكانات الجمالية لهذا الروائي ، إذ واتتني السوانح قبلُ ، واطلعت ليوسف فاضل ، على بعض من منجزه الإبداعي في القصة والرواية ، وكنت أحدس على نحو ما بأصالته وفرادته التجريبية ، فضلا عن اقتداره ووعيه لمفاهيم السرد  ، وصناعته الروائية  التي تجعل منه ساردا استثنائيا . ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا بأنه يعد من المؤسسين لفن كتابة رواية جديدة في المغرب . حينذاك ، وعلى الرغم من احتفائي برواية سعداوي ( فرانكشتاين في بغداد ) ، كنت في دخيلة نفسي متعاطفا مع : طائر ازرق نادر يحلق معي  ، والتي أعيد قراءتها الآن ، ليس لتجديد متعة القراءة وحسب ، بل للقفز - خارج حدود الدهشة الأولى - .لأن هذا المتن الذي تؤرخ مخيلته لسير المقهورين والمهمشين والمنبوذين في جزء حيوي من هذا العالم ، يعد مدرسة جديدة في الرواية المغاربية .  فإذا كان نجيب محفوظ قد توغل في حواري القاهرة وأزقتها ، واستأنس  حنا مينة  بحكايات البحر في طرطوس ، وارتكن إبراهيم الكوني لتأويل الصحراء ، فان سيمياء : يوسف فاضل ، حين تغوص في تاريخ المقهورين ، إنما هي بالدرجة الأولى تؤصل نفسها ، حين تتخذ من خصائص الحكاية أولى العتبات لوضع ذلك النسق المتعلق بالمهمشين ضمن إطاره المعرفي . هذا ما تشي به تلك العبارات المقطرة بكثافة شديدة الاختزال ، خلل دينامية السرد ، والتي تنوّعت بين العربية الحية ، والدارجة ، مع تطعيمها أحيانا بمفردات من لغة الأمازيغ ( الشلوح ) . وكقارئ ، أعترف بتجديد متعة القراءة واكتشاف المزيد من خبايا المقروء . مع ملاحظة أن هذا الكلام لا يندرج باعتباره نقدا أو تقييما ، إنما حاولت : صياغة انطباعي ، بهيئة ملاحظات على هامش صفحات هذه الرواية ، تحمل وجهة نظري كقارئ . هذا كل شيء .
____________

أدرجت هذه الملاحظات في التاريخ نفسه ، بصفحتي في موقع : رفّي لمتعة القراءة تحت امضاء <   alammary19عبدالسلام  > .