___________________________________________________________________________________________________ مفتاح العمّاري
رسم صخري . كهوف أكاكوس : ليبيا |
أُمّهات الجمال
قبل
أن يكتشف ملكة الكلام كابد الإنسان الأول
طويلاً مستعيناً بغريزته وحدسه ليتوصل أولاً إلى لغة الإشارة والإيماء .. مستعملاً
بالفطرة وحدها أصابع اليدين وحركة الشفاه والجسد في عملية شاقة . تضافرت فيها جميع
الحواس لتحديد علامة ما ، تكفي بالكاد
للتدليل على إحساسه بالجوع والعطش والخوف من المخاطر التي تتربص به ، وهكذا كان
لزاماً عليه في أول الأمر اللجوء إلى المحاكاة وتقليد حركات وأصوات المحيط من
ظواهر الطبيعة وكائناتها .. غير أنه ما لبث فيما بعد أن طوّع الرقص كثيمة ضرورية
لإثراء معجم علاماته ليكون أكثر اتساعاً
لإيواء المربك من أسئلته متعذرة النطق والتي كانت تسبب له مزيداً من القلق
والتوتر.. لكنه في مراحل لاحقة .. بدأ أقل انفعالاً وتوترا حين اكتشف مقدرته على
الرسم .. حيث مكنته ملكته الجديدة من تشكيل صورته وصور حيواناته ومعاركه وهجراته ،
هذا ما تشير إليه بوضوح رسوم الكهوف بمثابة قفزة ثقافية جعلته يتفوق تدريجياً على
وحشيته الكامنة ورؤيته من ثم ، بإرادة أكثر صلابة لترسيخ كيانه والانتصار لصالح
آدميته . ثم ما لبثت تلك الرسوم أن اختزلت إلى إشارات لمّاحة .. كانت هي المفردات
الأولى التي دشنت مدوّنة الكتابة كأخطر اختراع للعقل البشري ، تلك اللغة التي استمدت جوهرها من خلاصات الفنون
الجميلة كالتمثيل والرقص والرسم والموسيقى .. وتوجت نفسها بسحر الكلمة وإنجازها
مجسداً في علوّ الشعر وبلاغته ، قد حققت بذلك أعظم انتصاراتها الحضارية حين دحرت
عصور الكساح والعي والانحباس .