وسادة الراعي

وسادة الراعي
مدونة الشاعر: مفتاح العماري

الخميس، 27 أغسطس 2015

الأذن تعشق

مفتاح العمّاري

قبل العين ..



       إن البحث عن مفردة الحياة ، هو مبعث التخيّلات التي يلحقها الشعراء بالعالم حيث الروح النهمة إلى كل ما هو أكثر انكشافاً وتبسّطاً ، ليضفي على لحظته ارتياحات فخورة ، ما تلبث أن تسترد طاقتها من الشغف والتطلع والحلم  والسفر والحدس . لأن طريق أسئلة القصيدة هي دائما رحلة كشف تتوخّى إضافة سامقة للحياة لا انعكاسا . و على الرغم من ظلمة المجاهل القاتمة ، تقترح الكتابة الشعرية – دونما توقف -  ألوانا مضاءة بصور تؤثثها ظلال المعنى ، فللعين مشيئتها وللأذن أيضاً .
      ولأنّ الأذن ربّة صوت وملكة نغم ، فهي تعشق قبل العين أحيانا .. لذا كان الأعمى في توحّده يكتشف حكمة السواد ، ويرسم الخفاء مضاء بطاقة الصوت ، حيث  يكون القاتم عبئا يتعذّر إيواءه في كنف الأذن قارئة الصمت ونقيضه .  لذا علينا أن نهب الإيقاع حقّه في صقل الرؤى ، أسوة بحظوظ اللون وسمو صفاته ، مع تلطّف سخيّ يتيح مسافة للعطر وأخرى لعذوبة النار وضراوتها . هذا الكلام ذو السطح المتخلخل – كما يبدو – ليس مجرد خاطرة فاضت عن مشاعر خالقها ، إنمّا هو إشارة وقف إزاء ما يساق من احتفاء بالرسم على حساب الصوت  ، مانحا الحظوة للتشكيل الشعري كسمة بصرية أمست تعلن عن طغيانها النظري ، لكأنها تزعم وحدها التفرد باحتكار بلاغة المعنى وتكثيفه في مجازات حسيّة ومعنوية ، أو كأن الجمال في أبهى تجلّياته محض صور ، تهيمن عليها العين وحدها ، من دون أن يكون لبقية الحواس أيما شراكة في نسيج مشهدها  . وهنا يكمن خلل العديد من وجهات النظر التي تغفل أن الحياة صوت أيضا ، وأن قصيدة النثر مهما توغّلت في نحت لحظتها ستظلّ بلا نبض حين تتجاهل نصف حقيقتها .. فالموسيقى وحدها كمحض شكل خالص تمثّل أقصى طموح للفن ، وإنه ما من شيء في هذا الكون يقع خارج الموسيقى . ولأن الأشياء تمتحّ روحها من نقائضها فما جدوى قصيدة النثر حين تكون خرساء بلا رنيم .