مفتاح
العمّاري
ذاكرة
الجسد
إن الإشهارات الأدبية التي تُعني بترويج
الكتاب لها فتنتها الخاصة بها . ولعل فعل الإطراء الذي اقترن مديحه برواية ، أحلام
مستغانمي ( ذاكرة الجسد )، كان محّرضا عنيفاً لقراءتي ، ولاسيما أن أحد الأصدقاء
الشعراء من تونس قد كتب إليّ مصرّحاً دونما غضاضة بأن رواية ذاكرة الجسد ، تعدّ
أفضل نص روائي على الإطلاق كُتِب باللغة العربية . وعلى الرغم ما في هذا لرأي من شطط
، إلاّ أنني لم أجد مفراً من مطاردة ذاكرة أحلام مستغانمي بعد أن غدت من بين
الروايات الأثيرة لدى معظم المتثقفين العرب .. لها حظوظها الوافرة من الدعاية
والتسويق .. ونالت عن استحقاق - حسب علمي -
جائزة نجيب محفوظ للرواية العربية .
لكنني
وبكل أسف قد خُذلت في هذه الرواية . فبعد
قراءتها ، اكتشفت العديد من المثالب ، تجلّت أولها في العنوان المقترح والذي لم
يضف شيئاً لمتنها ، كما أنه لم يفض إلى أي أفق انتظار محتمل داخل سياقاتها السردية
. وقد توزّعت هذه المثالب بين شيطنة السرد
عبر جمل مضلّلة ، تحايلت على مخيال القراءة بافتعال ميكانزمات التراكيب الشعرية
داخل عالم خامل ، وبين كولاجات رديئة
الصنع تواترت مجتزأة خلال هذيانات رسّام أكتع يعاني حسب مكاشفاته من تمّزقات النفي
وخيبات الثائر ، وغيرها من المكابدات التي لم تفلح آلية السرد في تكثيف دلالاتها .. وجاءت مجرد لغو لا طائل من ورائه . . فكانت
تداعيات الثرثرة من أكبر المثالب في ذاكرة الجسد . بيد أن ايهاماتها الملتبسة
بمفردات الشعر لم تفلح – رغم طموحها – في إيقاظ الأشياء .. فظلت رميتها
طائشة.. تتماهى في تداعياتها دونما
استحياء وهي تكشف سجف وزر جليلة عجزت شكلانية لغتها المتذاكية عن تجميل تشوهاتها
ومعالجة اعطابها الكثيرة . فجاءت بلاغة المعنى – بادعاء فاضح – مجرد شطحات عشواء .
لأن العالم هنا ظلّ محتفظاً بطقسه البارد ، ولم يكثّف على النحو الذي يحتمل إيواء
الشعرية ، وأيضا كان الانشغال بالمجانية هو الهاجس . فانصبت السردية على لغة باذخة
باللغو مفتونة بنفسها . الأمر الذي بهر الكثيرين .. وشكّل انجذاباً أعمى لهم، فتجاوبوا مع مجانية النصّ بمجانية الاحتفاء.
وهي المجانية نفسها - حين تبلغ أقصى درجات
انفعالها - مجسدة في كلمة الشاعر نزار قباني
التي وسمت الغلاف الأخير ، كذلك في تثبيت صورة المؤلفة على الغلافين الأول والثاني
. ونحن لا نجد هنا أية غرابة في زمن تحتفي نخبته بتكريس الرداءة .
_________
* نشرت هذه المقالة قبل خمسة عشر عاما في
الصحافة الليبية تحت عنوان ( تكريس الرداءة ) وتناقلتها في حينها بعض المواقع الثقافية
على شبكة الانترنت . فضلا عن أنها قد
اندرجت - فيما بعد - من بين مقالات كتابنا ( عتبة لنثر العالم ) الصادر عن مجلة
فضاءات الليبية ، سنة 2005 . وقد حفزني لإعادة نشرها الآن ، ما يثار
خلال هذه الأيام في الصحافة العربية - ورقية والكترونية - من سجال حول روايات مستغانمي ، والتي كما يبدو
اهتاجت - في معظمها - كردود فعل إزاء ما كتبه الصحفي المصري : محمود الغيطاني ، في
إحدى المطبوعات المصرية ، تحت عنوان ( تكريس للتفاهة ) .