الاسمُ الحركيُّ للوردةِ ، السرياليُّّ الأخيرُ ،
شاعرُ الشبابِ ، جاك بريفير العرب ، شاعرُ الحبِّ .
هذا هو حارسُ الألفةِ ، المحامي ، ( على صدقي عبد القادر ) ، بأسماء
وصفات وعلامات تُشير إلى كائنٍ واحد ، هو رحّالةُ مخيّلة ، وجوّابُ سرّ ، ومكتشفُ
كنوزٍ وقاراتٍ وأوطانٍ وعواصم ، بعناوين متعددة وأوصافٍ ستظلُّ طويلا حيّةً ونشيطةً
،وموقظة أحيانا لقصيدةٍ محيّرةٍ وقلقة ،
ساذجةٍ وماكرةٍ أحيانا أخرى .
ربما تبدّت قصيدته قادحة وذكية ، وفي نفس الوقت قد
تُعدّ باردة وحميمة ، وأيضا عفوية وغامضة وبسيطة ، ومتهمة وبريئة ، لكنها تظل لأمر فيها قوية وهشّة في آن
، ولأنها كل هذه الأخلاط المتنافرة ، تجتمع في تناغم أو نشاز ، بحيث لا نثق كثيرا
في قدرة إشكالها المترجرجة على تهشيم
الأنساق ، وكسر المعايير ، وتحطيم قوانين الجمال .. ومن ثم سنتردّد في
الرهان على مُكْنَةِ تمردها على كل ما هو ماثل وسائد- كما تشي أشكالها - ، وهي تخلط
الجهات والأزمنة والمعاجم والكواكب والغابات والبساتين .
هي فقط قصيدته هو وحده : على صدقي عبد
القادر .. قصيدة لأمرٍ فيها مكتفية بنفسها ، لها مذاق الذاكرة بطعم
المستقبل ، كما لها عيون بنكهة الموسيقى ،
وآذان معجونة بأصداء قوس قزح ، وأنفاس
أمكنة تغادر ، وحنوّ أمهات ينتظرن الغائب ، ولهفة حبيبات الوعد ، كأنه لا صلاة
لهكذا قصيدة سوى الحلم . قصيدة معزولة ومتصالحة مع شتاتها وتيهها وانغمارها ، ومن دون أية صرامة نجدها تُسك بكلمات عابرةٍ
وبسيطةٍ ومنتهكة.. لتومئ علانية بأنها خرجت من لدن شاعر كبير ، هو دائما مثار جدلٍ
وغرابة ، مثار إعجاب واستياء .كان شاعراً مختلفاً ومغايراً .. لأن الدهشة قد كرسّت جنودها لتأثيث
عالمه ، وكان متطلبا بالقدر الذي يحرّض على التأمل لا الفهم / على النظر لا
الإصغاء . عاش طيلة رحلته الشعرية شغوفا ومتفائلا بالحياة ، لأنه منذ البدء قد
اقترح الفرح بمباهج وحواس شتى ، فانحازت إليه الوردةُ وفاطمةُ ومعاجمُ الحبّ .
وعلى
الرغم من أن شاعرنا لم يترك إرثا باذخا
بكنوز المعنى ،إلا أنه قد ورّث لقاموس
الوجدان الليبي كل شيء حين سطّر بحبر الروح ، قصيدته الخالدة : بلد الطيوب .. لهذا يتعذّر تجاهله أو نسيانه ، كما يتعذّر معرفة
قصيدة النثر في مشهدنا الثقافي المحلّي، وتوصيف مسار تجربة الشعر الليبي من دون أن
يُشار إليه – غالباً كشكلٍ محض - لا يحفل
بالتنظير ، أو بأية شروط أو براهين ، غير
شروط المخيلة أو براهين الشغف بالبهاء . هذا هو ( علي صدقي عبد القادر ) كما
أتذكّره الآن، بهيئة عاشق توطّن في البرزخ ، إلى حدّ أن القصيدة قد وهبت نفسها
لعبث الطفولة وفوضى الجمال المبارك .
ظل
شاعرنا طيلة تجواله مأخوذا بالمستقبل على الرغم من توطنه المؤبّد في مهرجان
الروائح العتيقة . شاعر ندرة ، مثلما يصعب القبض على قصيدته ، يصعب أيضا التنصّل
من فتنته . لأن الشعر يسكن هذه الكلمة أو تلك
بهيئة وردة أو سمكة أو نجمة أو
رباط عنق ، فثمة دائما خلطة عجيبة من الغوايات المشاغبة ، غوايات مرحة تجذب الحواس
النائمة ، وتَفتنُ بإصرار متعمّد هوس المخيلة ، لكي نهتف على طريقته ، " يحيا
الحب " .